منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
By ثامر المشخص 85
#68289
عـادل أمـين
بعيداً عما قد يبدو للبعض أنه نجاح حققه إنقلاب السيسي وجماعته على ثورة يناير والشعب المصري وقواه الحية وفي طليعتها جماعة الإخوان المسلمين, وبصرف النظر عما آلت إليه الأحداث وما أنتهى إليه سيناريو الإنقلاب العسكري من الإطاحة برئيس شرعي منتخب ونظام حكم جاء للمرة الأولى في تاريخ مصر عبر آلية ديمقراطية نزيهة, وبصرف النظر كذلك عما يقوم به النظام الإنقلابي الآن من إجراءات تعسفية إنتقامية ضد الإخوان في محاولة منه لانتهاز مايرها بالفرصة التاريخية لتصفية الحسابات القديمة معهم والسير في خطوات متسارعة لإستئصالهم وطي صفحتهم من الحياة السياسية المصرية, فإن ذلك كله لا يغير من حقيقة أن ما جرى إنما هو إغتصاب لسلطة الشعب ومؤامرة إنقلابية واضحة المعالم تواطئت فيها عديد أطراف داخلية وخارجية, وأن الشعب المصري, ورغم محاولات تغييب وعيه وإمعان العسكر في قهره وقسره على تقبل سياسة الأمر الواقع, سيظل متمسكاً ومدافعاً عن شرعيته وإرادته ومستقبله الذي صنعه في ثورة 25 يناير 2011.

الإنحناء للعاصفة

المؤامرة الإنقلابية على ثورة الشعب المصري لم تبدأ في الواقع يوم صعود الرئيس مرسي لرئاسة الجمهورية, بل بدأت حقيقة في وقت مبكر جداً حينما كان مبارك يتشاور وكبار معاونيه في السلطة في الكيفية التي تضمن له خروج آمن وتُبقي نظام حكمه متماسكاً في إطار الدولة العميقة بعيداً عن مشرط التغيير الذي بدا وكأنه الثوار ممسكين به. وحين قرر مبارك التخلي عن رئاسة الجمهورية ونقل صلاحياته كاملة للمجلس العسكري الذي شكله من سابق على عينه بدأت أولى خطوات المؤامرة الإنقلابية على ثورة الجماهير وشرعت عصابة مبارك في تنفيذ مخطط إستعادة نظام الحكم السابق والإنتقام من الشعب الذي خرج في ثورة عارمة مطالباً بالتغيير.

وكاد المجلس العسكري, الذي حكم قرابة العام والنصف, أن ينجح في إعادة نظام مبارك من خلال ترشيح أحمد شفيق للانتخابات الرئاسية, والذي نافس بقوة غير متوقعة وحصل على المركز الثاني بعد الرئيس محمد مرسي, وتمكن شفيق بمساعدة العسكر وفلول مبارك وشبكة محسوبيته ومصالحه من حصد أكثر من إثني عشر مليوناً من أصوات الناخبين في جولة الإعادة, وهو ما جعله يسارع لإعلان فوزه في الإنتخابات. لكن العسكر الممسكين بمفاصل السلطة رأوا أن تزوير الانتخابات وإعلان شفيق فائزاً سيحدث صدمة عنيفة وردة فعل غاضبة وربما مدمرة للمجلس العسكري من قبل الثوار والمتحالفين معهم من الأحزاب المصرية المنخرطة في الثورة الشعبية, وكانت من مختلف التوجهات اليسارية والقومية والإسلامية. كان الصف الثوري وقتئذٍ موحداً ومتكتلاً في وجه نظام مبارك, حينها أدرك العسكر أن الدخول في مواجهات جديدة مع الحشود الثائرة هو بمثابة مقامرة خاسرة, فاضطروا لإعلان النتائج الحقيقة وقبول مرسي رئيساً, ومن لحظتها شرعوا في إجراء تعديلاتهم على مخطط إسقاط الثورة والإلتفاف عليها وإعادة تكييف الواقع السياسي والثوري الجديد بما يلائم ظروف إستعادة النظام السابق, مستفيدين بالطبع من أخطاء الحكام الجدد وقلة خبرتهم في إدارة السلطة.

انحنى المجلس العسكري للعاصفة وقبل بصعود الرئيس محمد مرسي حاكماً على مصر, لكن هذا الأخير وقف وحيداً في مواجهة الدولة العميقة الضاربة جذورها في كل مفاصل السلطة, وهنا باشرت الدولة العميقة عملها وشرعت على الفور في محاصرة الرئيس وضربت حوله طوقاً حديدياً تمثل في أجهزة القضاء والجيش بأذرعه الأمنية والإعلام, وتم تكبيل الرئيس والحد من سلطاته. ورغم ذلك اتجه الرئيس مرسي صوب العمل الجاد باتجاه تحقيق بعض أهداف الثورة, لكن أجهزة الدولة العميقة كانت له بالمرصاد فلم تتجاوب معه, بل لم تسمح له بتحقيق شيء من أهدافه بقصد إفشاله جماهيرياً. وكان يجدر بمرسي الإلتفات أولاً نحو الدولة العميقة المحاصرة له والمعيقة لمشروعه النهضوي, والعمل على تطهير بعض أجهزتها المهمة قبل الشروع في أية برامج إصلاحية وتنموية.

المؤامرة الإنقلابية

إستكمالاً لمخطط محاصرة الرئيس من قبل أجهزة الدولة العميقة وأبرزها القضاء والجيش والشرطة والإعلام, جرى عزل الرئيس مرسي وجماعته سياسياً من خلال تشكيل ما سمي بجبهة الإنقاذ التي ضمت الشخصيات والأحزاب السياسية الخاسرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية, وفي الحقيقة فإن تشكيل تلك الجبهة كان مؤشر واضح على بدء الثورة المضادة التي أوصلت الأوضاع إلى ماهي عليه الآن في مصر. قبل ذلك كان الرئيس مرسي قد حقق نجاحاً باهراً تمثل في حل المجلس العسكري وإحالة أعضائه إلى التقاعد, وهو وإن بدا إنجازاً يستحق الإشادة إلاّ أن الشواهد أكدت لاحقاً أن ذلك العمل جرى التخطيط له بمهارة من قبل مدير المخابرات الحربية السابق عبد الفتاح السياسي الذي صار في ما بعد وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة, نتيجة لدوره الإيجابي في كشف ما قيل في الكواليس أنها مؤامرة للمجلس العسكري أرادت استهداف مرسي. وعلى كلٍ, ومهما يكن الأمر, فقد بدأت في أعقاب ذلك مرحلة جديدة من مخطط استكمال الإطاحة بالرئيس مرسي بعدما قويت ثقته بالسيسي.