منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#27389
عشر سنوات كاملة والولايات المتحدة تشن حروبا في الشرق الأوسط الكبير‮.. ‬أول عقد من الألفية الجديدة يضيع وسط دماء وأشلاء وعنف وكراهية في أفغانستان والعراق،‮ ‬لكن يبدو أن البيت الأبيض حسم أمره بشأن الحرب الثالثة التي بدأت رحاها قبل أيام قليلة من رحيل العام المنصرم‮.‬

تقول بعض التقارير الاعلامية‮ (‬خاصة الايرانية‮) ‬ان طائرات حربية أمريكية شاركت بالفعل في ديسمبر الماضي في عمليات عسكرية في اليمن،‮ ‬لكن بعد المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة أمريكية بواسطة انتحاري نيجيري استلهم أفكاره من متطرفين في اليمن،‮ ‬برزت الحاجة إلي مراقبة مأوي جديد للارهابيين وهو ما كان مركز الأمن الأمريكي الجديد لفت اليه منذ بضعة أسابيع‮. ‬

البداية من اليمن

هناك من عبر صراحة عن حرب اليمن مثل النائب الديمقراطي جوزيف ليبرمان قائلا‮ "‬اليمن سيكون حرب الغد‮" ‬وويزلي كلارك القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلنطي في أوروبا قائلا‮ "‬ربما نحتاج وضع بعض الـ‮ "‬بوت‮" (‬في اشارة لأحذية العسكريين‮) ‬علي الأرض هناك‮".‬

الانتشار العسكري الأمريكي يمتد من الشرق الأوسط وآسيا إلي افريقيا ثم أمريكا اللاتينية حيث اتفقت واشنطن وبوجوتا علي استخدام أمريكا لسبع قواعد عسكرية جديدة في كولومبيا،‮ ‬من دون قيد أو شرط،‮ ‬تشمل مواقع ضرب مباشر لفنزويلا والاكوادور العضوان في تحالف شعوب أمريكتنا‮ (‬ألبا‮) ‬البوليفاري المعادي للهيمنة الأمريكية‮.‬

المنتظر في عام‮ ‬2010‮ ‬هو نشر قوات أجنبية في بولندا هي الأولي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام‮ ‬1991‮ ‬وذلك في اطار نشر صواريخ اعتراضية ورادارات في شرقي أوروبا والشرق الأوسط وجنوب القوقاز،‮ ‬أما في أفغانستان،‮ ‬فسيصل عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين هناك في أطول وأكبر حرب دولية إلي‮ ‬100‮ ‬ألف جندي،‮ ‬فيما سينتشر آلاف الجنود في كافة أرجاء المعمورة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا‮.. ‬في كل مكان لحماية المصالح الأمريكية بينما تتسرب الأخطار إلي داخل العمق الأمريكي‮...‬

أين الاقتصاد؟

الحرب الأمريكية الجديدة لم تكن مستبعدة،‮ ‬ففي أوقات الأزمات الاقتصادية وانهيار النظام المالي،‮ ‬تزداد فرص اندلاع حروب دولية فالتاريخ يؤكد أن سقوط الامبراطوريات الامبريالية واشتعال الأزمات الاقتصادية‮ ‬غالبا ما يصاحبهما موجات عنف متزايدة بل وحروب دولية مثلما كانت الحربان العالميتان الأولي والثانية مرتبطين بأفول نجم الامبراطوريات الأوروبية‮.‬

وبينما تشير تقارير عديدة الي أن الامبراطورية الأمريكية،‮ ‬التي ظهرت من‮ ‬غبار الحرب العالمية الثانية،‮ ‬آخذة في السقوط،‮ ‬فان الشكوك تتزايد في من سيحل محلها لادارة النظام المالي الدولي ولقيادة أقوي قوات عسكرية في العالم علي مر العصور،‮ ‬فالاقتصاد والقوة العسكرية شيئان متلازمان،‮ ‬وهو ما عبر عنه تقرير نشرته مجلة‮ "‬نيوزويك‮" ‬مؤخرا بالقول ان أمريكا توصف بأنها قوة عظمي،‮ ‬أو قوة مهيمنة،‮ ‬أو إمبراطورية لكن تظل قدرتها علي إدارة شئونها المالية مرتبطة بشكل وثيق بقدرتها علي بقائها القوة العسكرية الأهم في العالم‮.‬

ورصدت نيوزويك تاريخ انهيار الإمبراطوريات الذي يبدأ بتفاقم الديون وينتهي بتخفيض مطرد في الموارد المتوفرة للجيش وسلاح البحرية وسلاح الجو،‮ ‬مذكرة في هذا الصدد بتخلف إسبانيا في عهد سلالة هابسبورج عن تسديد كل ديونها أو جزء منها‮ ‬14‮ ‬مرة بين عامي‮ ‬1557‮ ‬و1696‮ ‬كما كانت فرنسا في الفترة السابقة للثورة تنفق‮ ‬62٪‮ ‬من الإيرادات الملكية علي خدمة الدين قبل عام‮ ‬1788‭.‬‮. ‬الإمبراطورية العثمانية لقيت المصير نفسه؛ فنسبة دفع الفوائد وخدمة الدين ارتفعت من‮ ‬15٪‮ ‬من الميزانية عام‮ ‬1860‮ ‬إلي‮ ‬50٪‮ ‬عام‮ ‬1875‭.‬

وأضافت أن خير مثال هو الإمبراطورية الإنجليزية العظيمة حيث كانت الفوائد تستهلك‮ ‬44٪‮ ‬من الميزانية البريطانية في الفترة الفاصلة بين الحروب مما جعل إعادة تسلحها في وجه التهديد الألماني الجديد أمرا شديد الصعوبة‮. ‬وأكدت في تقريرها في النهاية علي ضرورة اجراء اصلاحات مالية جذرية حتي تتجنب الولايات المتحدة هذه النهاية‮.‬

حرب عالمية ثالثة

لكن هل يمكن أن تتطور الحرب القادمة إلي حرب عالمية ثالثة قد تنتهي بغروب القوة الأمريكية؟ سؤال بحثه آندرو جافن مارشال الباحث بمركز دراسات العولمة الكندي اليساري،‮ ‬وهو يري أن الولايات المتحدة وضعت الأساس اللازم لهذه الحرب من خلال استراتيجية امبريالية تعكف علي تنفيذها للحفاظ علي تفوقها السياسي والعسكري ضمن النظام العالمي الجديد الذي تعتبر فيه روسيا والصين مصدري تهديد لمصالحها وتمد جسور التعاون فيه مع دول شرق ووسط أوروبا‮. ‬


بدأت الألفية الجديدة بحرب أفغانستان التي بدأتها الولايات المتحدة عام‮ ‬2001‮ ‬ثم حرب العراق عام2003‭.‬
‮ ‬الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان مطلع العام الجاري تقوم علي ارسال تعزيزات اضافية لجبهة أفغانستان وباكستان لتعقب مقاتلي طالبان والقاعدة وهي استراتيجية ستزيد من اشتعال الصراعات والفوضي في المنطقة كما يري مارشال‮.

‬ووصف توسيع نطاق الحرب لكي تشمل باكستان بأنه لعب بالنار‮.. ‬كما أن عدم الاستقرار في هذه المنطقة يهدد الدول المجاورة ومنها ايران والصين وروسيا وتركيا والهند بما يطرح احتمالات اندلاع حرب أوسع في المستقبل بين عدة دول اضافة إلي احتمال اندلاع حرب بين القوي العظمي في العالم‮.‬


أما بالنسبة لايران،‮ ‬فقال مارشال ان واشنطن قد تتبني سياسة تغيير النظام الايراني من الخارج بعد أن فشلت المعارضة الايرانية الداخلية في التغيير السلمي رغم كل الاحتجاجات علي نتائج الانتخابات الرئاسية الايرانية‮.‬


وفي أمريكا اللاتينية‮.. ‬تحديدا في هندوراس‮.. ‬حدث انقلاب عسكري بدعم أمريكي أطاح برئيس منتخب ديمقراطيا لأنه حليف الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز والرئيس البوليفي ايفو موراليس اللذان يمثلان القادة الشعبيين لتيار اليسار الجديد في أمريكا اللاتينية والرافضين للهيمنة الأمريكية والغربية علي المنطقة‮.‬


يقول مارشال‮: "‬يد الولايات المتحدة يمكن رؤيتها في انقلاب هندوراس الذي قاده جنرال عسكري درس بالكلية العسكرية الأمريكية في الأمريكتين‮" ‬وهي المؤسسة التي دربت مئات من زعماء الانقلابات ومنتهكي حقوق الانسان في أمريكا اللاتينية‮.‬


أما افريقيا التي كانت أرض المعركة بين الاتحاد السوفيتي من جانب والولايات المتحدة والناتو من الجانب الآخر فتحولت لأرض تتنافس فيها أمريكا والصين بالرغم من أن القارة السمراء فقدت مكانتها كجائزة جيوسياسية للقوي العظمي واتخذت الأطماع الامبريالية في افريقيا مسميات أخري مثل الحرب علي الارهاب والمساعدات العسكرية والاقتصادية والتدخلات العسكرية بدعوي التدخلات الانسانية‮. ‬


علي مسار مواز،‮ ‬تعمل أمريكا علي نشر الديمقراطية في الجمهوريات السوفيتية السابقة من خلال الثورات الملونة التي تزرع قادة من الدمي موالين لأمريكا لينفذوا المصالح الغربية الاقتصادية والاستراتيجية كما حدث في جورجيا وأوكرانيا وقرغيستان في اطار خطة ناعمة لتوسيع النفوذ الأمريكي ونفوذ الناتو لحدود روسيا وحتي الصين عن طريق مؤسسات أمريكية مثل المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية‮ "‬يو اس ايد‮".‬

يختتم مارشال مقالاته حول الحرب العالمية الجديدة بالقول‮:"‬حرب عالمية جديدة ستكون حربا دولية تشنها الطبقة الحاكمة الدولية ليس ضد عدو أجنبي بل ضد مواطني العالم للحفاظ واعادة تشكيل المجتمع الهيراركي لخدمة مصالحهم‮.‬