منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية

المشرف: رجاء الرشيد

By تركي بدر ١٠١
#59781
أظهر تطور الفكر والتفكير في الميدان السياسي مدى تقدم الإنسان والمجتمعات البشرية ومدى تأثير التراكمات المعرفية الكمية والنوعية في هذا التطور ، كما دل على أهمية التجارب التي يمر بها البشر في صنع الحضارة وتأمين الأفضل لحياة الإنسان والمجتمعات ، و أظهر أهمية دور إبداعات المفكرين في هذا التطور.
إذ أن العلاقة الجدلية ما بين التراكمات المعرفية والظروف الخاصة للمجتمع وإبداع المفكرين هو الأساس الذي قامت وتقوم عليه التطورات المتلاحقة في الفكر وفي الفعل الحضاري ،فقد كان تقدم الفكر السياسي كما الفكر الإنساني بشكل عام,نتاجا لتلك التراكمات المعرفية الكبيرة وللتجارب التي مرت بها كل الأمم، كل واحد ة حسب ظروفها الخاصة، حيث كانت الحضارة تلو الأخرى تشارك بدورها في صنع الأفضل للإنسان، وذلك من خلال إبداعات المفكرين في الحضارات المختلفة.
وإذا كان الإنسان يتعلم من التجارب المتلاحقة ويتطور في فهمه وإدراكه ، فإن الفكر الإنساني ، ومنه الفكر السياسي مازال حتى الآن ينمو ويتطور مستندا دوما إلى التراكمات المعرفية المتلاحقة التي تصنعها الشعوب المختلفة ويبتدعها المفكرون ، والتي تشكل دوما أرضية إنطلاق لأفكار جديدة أيا تكن مجالاتها وميادين أبحاثها،وقد تبين بشكل واضح أن الفكر السياسي بدأ خطواته الفكرية ورؤاه الفلسفية الأولى في الإجابة عن التساؤلات المختلفة بأفكار أسطورية غيبية،وصولا إلى الأساطير المختلفة والمتعددة بالإجابات حول كل القضايا بما فيها السياسية، وهو ما كان موضوع دراستنا : "الفكر السياسي الروماني " فكانت كل حضارة تغتني بأفكار وتجارب تقدم منها، وفق بنيتها الذهنية أجوبتها الخاصة عن التساؤلات المتعددة حول الكون والمجتمع والإنسان ومنها التساؤلات السياسية كذلك (*)
ويمكن القول أن الحضارة اليونانية ساهمت بشكل بارز في تطوير ونهضة الفكر السياسي البشري، بحيث تمثلت القضية المحورية التي إنشغل بها الإغريق في طبيعة العدالة وماهية النظام السياسي الفاضل، ثم من بعدها الحضارة الرومانية صحيح أن هذه الأخيرة لم تتمكن من التوصل إلى مستوى الإبداع الفكري الذي بلغته الحضارة الإغريقية
من قبلها، غير أن إبداعها تجلى بإمتياز واضح في المجالات العملية ، سواء من الناحية الفكرية على صعيد القانون والإدارة ، أم من ناحية
الإبداعات الفنية والمعمارية التي لازالت أثارها ماثلة للعيان حتى يومنا هذا في أماكن متعددة من المناطق الواقعةعلى المتوسط ولاشك بأن الحضارة الرومانية قد مثلث محطة هامة جدا في تاريخ الحضارة البشرية.
فالرومان نبغوا في القانون بحيث أصبحوا في هذا الميدان قدوة لغيرهم على مر الأجيال ولا تزال أثار قوانينهم قائمة في العصر الحديث،فإنهم على عكس ذلك من الناحية الفلسفية إذ لم تكن للرومان فلسفة سياسية أصيلة نابعة من بيئتهم وثمار فكرهم الحر وإنما اعتمدوا في هذا المجال على الفلسفة اليونانية ونهلوا من مواردها ونسجوا على منوالها وتأثروا بكثير من مبادئها. فالحضارة الرومانية تأثرت بالحضارة اليونانية ونقلت عنها وأفادت منها كما نقلت عن الحضارة الشرقية القديمة مثل الحضارة المصرية البطليموسية والحضارة الفارسية ، فالرومان لم يخلقوا ولم يخترعوا كل نظمهم وإنما أخذوا من الحضارات القديمة والمعاصرة لهم والسابقة عليهم ما يتفق مع ظروفهم وأوضاع بلادهم وصبغوا ما تلقوه عن الغير بصبغتهم الخاصة وهي صبغة عملية.
وقد قطعت الحضارة الرومانية في تاريخها السياسي عدة مراحل حتى تمكنت من الوصول إلى تأسيس إمبراطورية ضخمة ذات سلطان خطير على المستوى الداخلي والخارجي وقد عرفت في تطورها هذا أشكالا مختلفة للحكم وأوضاعا دستورية متباينة، ولكي نوضح ذلك نشير بإيجاز إلى مختلف المراحل التي قطعتها الحضارة الرومانية في نظامها السياسي ثم إلى أبرز المفكرين السياسيين في روما القديمة وهما بوليبيوس وشيشرون.